شطاري-ݣليميم
خلف رحيل محمد الداه لغظف، المدير المركزي لقناة العيون الجهوية، يوم 2 ماي 2021، عشية الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، أسى كبيرا، ليس في الوسط الإعلامي، بل الوطني ككل، بالنظر لما كان يتمتع به الراحل من دماثة أخلاق ومهنية عالية، ووطنية صادقة..
“أنفاس بريس” تنشر شهادات في حق الراحل، ممن عاشوا معه مرحلة تأسيس قناة العيون الجهوية؛ وفي ما يلي شهادة حافظ محضار، مدير مكتب قناة العيون بجهة كلميم وادنون:
حدث ذلك منذ 17 سنة بالتحديد، رن هاتفي خلال صبحية اعقبت بأيام قلائل إسدال الستار على أولى طبعات موسم الطنطان في حلته الجديدة.
المتصل هو محمد لغظف الداه، أعرفه حينها من خلال بعض كتاباته في يومية «لوبينيون» الناطقة باللغة الفرنسية وبعض القصاصات الإخبارية لوكالة الأنباء الفرنسية.
بعد تبادل التحية وبدون مقدمات، حدثني عن قرب إطلاق قناة تلفزية تبث من العيون حاضرة الأقاليم الجنوبية وتعنى بشؤون الصحراء.
قناة تعول -والكلام لمحمد لغظف الداه- على منسوب تحدي أبناء الربوع الجنوبية، خاصة من راكم منهم آنذاك تجارب وعلى محدوديتها في الحقل الإعلامي الورقي.
أنهى المتصل المحادثة بعد أن أكد على ضرورة الحضور إلى العيون في أقرب وقت ممكن لإتمام تفاصيل هذا المشروع الإعلامي.
لحظات بعد المكالمة يردني اتصال هاتفي آخر، هذه المرة من رفيق درب تقاسمنا معا حلو ومر إصدارات ورقية كان لها وقعها وصيتها آنذاك على صعيد الجهة، الأمر يتعلق هنا بالصديق العزيز مولود زهير، المطلوب هو الآخر للحضور فورا إلى العيون للموضوع ذاته.
أذكر جيدا أول لقاء مباشر مع المرحوم الأغظف بمعية ثلة من خيرة شباب الأقاليم الجنوبية ممن بصموا على بدايات القناة .
إصرار يسكن الرجل على إنجاح التجربة التي كان إطلاقها آنذاك من عمق الصحراء وكأنه ضرب من الجنون والخيال.
تجربة انطلقت من الصفر، فكان رهانه الأول الاشتغال ليل نهار على إعداد حزمة متكاملة من الأعمال والبرامج والربورتاجات الإخبارية، بمعية طاقم صحفي وتقني متمرس عن القناة الأولى، حضر للتو من الرباط خصيصا للإسهام في تذليل صعوبات البدايات ودهشة الانطلاقة.
تجربة بصم عليها الأستاذ/ الأب لغظف بكاريزما القائد الواثق بالعطاء، وبلمسته الإبداعية ورصيده ومخزونه الثقافي الذي يفيض ثراء، ورؤيته الثاقبة وتصوره الواضح الذي يستحضر أسرار التفوق والذهاب بعيدا بتجربة أراد لها أن تكون استثناء في كل شيء، رغم العقبات والصدامات القوية التي اعترضت المشروع، والتي لم تزده إلا قوة، لشدة عناد وإصرار ومناعة حامل المشعل الذي حول المشروع أياما قلائل فقط بعد انطلاقته إلى تجربة رائدة على مستوى إعلام القرب بالعالم العربي.
كان نعم الموجه الناصح، الحريص كل الحرص على إحقاق كل أشكال التوازنات، المجالية منها والقبلية على مستوى التعاطي التلفزي، الغيور بمنسوب عالي على الموروث والذاكرة التاريخية والثقافية للمناطق الجنوبية والمشدد على احترام وتقدير رموز المنطقة والكفاءات الصحراوية والدفاع المستميت عن ثوابت ومرتكزات الأمة، والملم بكل التفاصيل الدقيقة لكل المواضيع ومستجدات الساحة.
محمد لغظف الذي أضحى نجاح قناة العيون يرتبط باسمه، يعود له الفضل كل الفضل في الدفع بطاقات وعديد الأسماء التي تقاسمت معه «محنة» البدايات المستحيلة، وخاضت في تحدي الحفاظ على مكتسب تلفزيون يبث من الصحراء مهما كلف الثمن.
وهو وإن غادرنا اليوم إلى دار البقاء، سيظل على الدوام إحدى الهامات التي أثرى عطاؤها الحقل والفعل الإعلامي بالصحراء، من خلال صرح قناة العيون التي غذت اليوم جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للصحراويين أينما وجدوا، والتي لا يدرك وقعها إلا من خبر حجم أثرها على نفوس متتبعيها أينما وجدوا.
رحمك لله الأستاذ/ القائد المناضل الرمز الذي سيظل صنيعه موشوم في الذاكرة ما حييت، ولترقد تلك الروح الطاهرة العطرة الزكية في سلام.