شطاري-متابعة:
ملاحم تضامنية معبرة تلك التي كشف عنها المغاربة، بعد الزلزال الذي ضرب بعض الأقاليم المجاورة لمراكش، بشكل أعاد إلى النقاش قيم “التمغربيت” كأفق عميق ومشترك يتقاطع فيه كل مغربي ومغربية، ويشهرون ورقته كلما سمحت الظروف بذلك.
وتواصل القيم المغربية، وفق باحثين، “الإمساك بناصية نفسها”، حيث “لم تنفلت بعد من خانة الأعراف والتقاليد التي طبعت وجودهم مجتمعيا وأنثروبولوجيا”.
“هوية قيمية” تمظهرت، خلال اليومين الماضيين، بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام في جمع التبرعات والتجند في عمليات الإنقاذ وكل ما من شأنه أن يخفف من حدة الفاجعة؛ لكنها أبانت، وفق متتبعين، “عن الحمض النووي لمعظم المغاربة الذين يشعرون بأن العيش معا لا يمكن أن يتم إلا من مدخل التعاضد والتراص الأخوي الذي يروض أي خطر”.
عادات قديمة
محسن بنزاكور، أخصائي في علم النفس الاجتماعي، قال إن “القيم التضامنية التي انتعشت بعد “زلزال الحوز” ليست شيئا غريبا على المغاربة؛ بل هي قيم قديمة متأصلة فينا وفي ثقافتنا أنثروبولوجيا”.
وأوضح بنزاكور، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن “النظام الاجتماعي التقليدي كان قبليا؛ وبالتالي كان ضروريا أن يكون هناك نوع من التضامن حول زراعة الأراضي التي لم تكن آنذاك تتوفر على الآلة، وهي التي أفرزت المصطلح الأمازيغي “تيويزي”، الذي كان عملا جماعيا”.
وأضاف المتحدث أن “فكرة التضامن حول الأرض ستنتقل في أفق المغاربة منذ القدم إلى الأفراح والأقراح، سواء الأعراس والمآثم”، مشددا على أن “المغاربة كانت لهم دائما هذه القاعدة في ثقافتهم، حتى أنه إلى زمن قريب كانت المنازل تفتح في وجه الجار”.
وأورد الأخصائي في علم النفس الاجتماعي: “هي ليست شيئا غريبا على التركيبة النفسية والمجتمعية المغربية، فالغالبية العظمى صادقة في مشاعرها وتفاعلها”، لافتا إلى أن “هذه الفواجع والمآسي القاسية تساهم في صحوة هذا العنصر الغائر والمتأصل فينا كمغاربة”.
وفي هذا السياق، أشار إلى أن “زلزال الحسيمة ووفاة الطفل ريان وزلزال الحوز تعيد دائما إلى الواجهة معدن المغاربة؛ فالدخول إلى الأنقاض وجمع التبرعات والمساعدات المعنوية ليست أشياء مغربية خالصة مثلا، لكن المغاربة دثروها برداء للخصوصية”؛ وزاد: “هو في الأصل تضامن من أجل البقاء في الحياة”.
قيم لم تندثر
من جانبه، قال زكرياء أكضيض، الباحث في علم الاجتماع المغربي، إن “القيم التضامنية متجددة ودينامية ومتحركة في الوسط السوسيولوجي للمغاربة”، مؤكدا أن “حضور القيم الفردانية وظهور أنماط من التحديث في عمق المجتمع المغربي لم تنسف العمل الجماعي المنبني على التضامن والتآزر والتعاضد بين الأفراد، لكون ذلك ببساطة هو إيضاح جلي لمعنى أن نكون مغاربة”.
وشدد أكضيض، في تصريحه لجريدة هسبريس، على أن “التحولات القيمية والمجتمعية حافظت على قيم التضامن، خصوصا أن هذه القيم أخذت طابعا مؤسساتيا وتظهر في فعاليات المجتمع المدني من خلال جمعيات ومنظمات لها صبغة قانونية تخول لها القيام بحملات في الظروف الصعبة كالزلازل والكوارث”، مشيرا إلى أن “هناك قيما قوية أخرى تنتعش بشكل غير مؤسساتي، كقيم ولاد الحومة أو الاقتصاد التضامني و”درات” بين النساء في الأوساط الشعبية مثلا”.
وأورد المصرح أن “هذه القيم التقليدية أفرزت أشكالا جديدة أصبحنا نرى بشكل ظاهر حضورها في تفاصيل حياتنا اليومية”، لافتا إلى أنها “بدأت تأخذ حيزا كبيرا في العالم الرقمي الذي أصبح واجهة مهمة جدا لحضور هذه القيم في صفوف الأفراد؛ بمعنى أنها قيم تقوم بالتعبئة لنفسها بقوة وبشرعية أخلاقية كبيرة خصوصا في الوضعيات الصعبة”؛ وقال: “هذا عصر الرقمية والحملات التضامنية صارت تنتشر بفعالية أكثر على شبكات التراسل الفوري”.