شطاري-متابعة:
خلال الأيام الماضية، جرى تداول أنباء عن اختيار القوات المسلحة الملكية لطائرة النقل العسكري البرازيلية، KC-390 Millennium، لتنضم إلى سربها من الطائرات باعتبارها “جنسية” جديدة تنضاف للقائمة، إذ إن المغرب اختار خلال السنوات الأخيرة الاعتماد أساسًا في تطوير سلاح الجو على الطائرات القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية، وبنسبة أقل فرنسا.
إلا أن الأمر أبعد من ذلك، فالعلاقات بين المغرب والبرازيل في المجال الدفاع لم تعُد تصنف ضمن الارتباطات البروتوكولية، إذ أكدت العديد من المحطات أن الرباط اختارت شريكا استراتيجيا، هو الأقوى في قارة أمريكا اللاتينية، قد يتحول إلى إلى فاعل رئيس في العديد من المجالات العسكرية، بما يشمل الاستثمار في منظومة الصناعات الدفاعية التي تعمل المملكة على بنائها.
ملينيوم.. ليست البداية
ووفق المعطيات التي تداولتها منصات متخصصة في المجال الدفاعي، فإن المغرب استقبل طائرة من طراز KC-390 Millennium بالقاعدة العسكرية الجوية لمدينة القنيطرة مؤخرا، وذلك في إطار عملية تقييم شملت القيام برحلة جوية بتاريخ 24 فبراير 2025، مبرزة أن المفاوضات جارية حاليا بين الرباط وبرازيليا للشروع في تصنيعها داخل المملكة.
أهم معطى في هذا الموضوع هو أن الطائرة المذكورة تابعة لشركة “إمبراير”، التي أضحت تربطها بالمغرب مصالح اقتصادية تنمو بوتيرة سريعة، خصوصا في مجال الطيران المدني، وقد كانت، إلى جانب “بوينغ” الأمريكية و”إيرباص” الأوروبية، إحدى الشركات التي وقع عليها اختيار الخطوط الملكية المغربية للتفاوض معها من أجل إبرام صفقة اقتناء 188 طائرة جديدة.
العلاقة بين المغرب و”إمبراير” ستتضح بشكل لافت أواخر أكتوبر 2024، حين أعلنت الحكومة المغربية عن توقيع مذكرة تفاهم معها لإطلاق مشاريع مشتركة في صناعة الطيران المغربية، بما يغطي مجالات الطيران التجاري والدفاع والتنقل الجوي الحضري، مبرزة أن هذه الخطوة تؤكد “الرغبة المشتركة في تعزيز وتوسيع نطاق التعاون والاستثمارات بين البرازيل والمغرب، لتعزيز التعاون الأطلسي بين مرجعين بارزين من دول الجنوب”.
والظاهر من خلال هذه العبارة من بلاغ وزارة التجارة والصناعة، أن شراكة المغرب مع البرازيل تدخل في إطار توجُّهه الأطلسي الجديد، الذي برز منذ خطاب ذكرى المسيرة الخضراء الذي ألقاه الملك محمد السادس في 6 نونبر 2023، والذي اقترح “إطلاق مبادرة على المستوى الدولي، تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي”.
نحو الصناعة الدفاعية
الاتفاق مع “إمبراير”، الذي وقعه كل من وزير الصناعة والتجارة رياض مزور، والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، كريم زيدان، والمدير العام للوكالة المغربية لتنمية الاستثمار والصادرات، علي صديقي، والرئيس المدير العام لشركة إمبراير للطيران التجاري، أرجان ميجر، لا يتوقف عند مجال الطيران المدني بل العسكري أيضا.
وجرى تحديد الفرص التجارية بين الطرفية بناء على هذه المذكرة، من خلال تغطيتها لمجالات الطيران التجاري والدفاع والتنقل الجوي الحضري، موفرا بذلك إطارا لتشييد منظومة توريد متكاملة بالمغرب، وتعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي والإسهام في إحداث مناصب شغل، إلى جانب تنمية الكفاءات المحلية.
الاتفاق المغربي البرازيلي يشمل أيضا التكوين وخدمات الصيانة والإصلاح، على أن يتم بحث توسيع نطاقه مستقبلا ليشمل البحث والتكنولوجيا، وخصوصا في مجال تخليص الصناعة من الكربون والتنقل النظيف والطيران ووقود الطيران المستدامين.
ووفق وزرة التجارة والصناعة المغربية، يُرتقب أن يصل الأثر الاقتصادي المحتمل لكافة المشاريع، عند اكتمالها، بما في ذلك الصيانة والإصلاح والمراجعة والتكوين وتطوير المنظومة ومجالات أخرى، إلى حوالي 300 مليون دولار أمريكي مع إحداث 300 منصب شغل بحلول سنة 2030، وما يصل إلى مليار دولار أمريكي وإحداث 1000 منصب شغل بحلول سنة 2035.
خطوات من الطرفين
وبرزت ارتباطات المغرب بالبرازيل، على المستوى الدفاعي، أبكر من هذا التاريخ، وتحديدا سنة 2023 عندما صادق مجلس النواب البرازيلي في فبراير، ثم مجلس الشيوخ في ماي، على الاتفاقية الإطار للتعاون في مجال الدفاع مع المغرب، الموقعة في برازيليا في يونيو 2019، والذي ينص إجراء تدريبات عسكرية مشتركة وتنسيق الأعمال المتعلقة بأنظمة المعدات في مجال الدفاع.
ويحدد الاتفاق مجالات البحث والتطوير والدعم اللوجستي، بالإضافة إلى تشجيع اقتناء المنتجات والخدمات الدفاعية، إلى جانب تنصيصه على تبادل المعرفة والخبرة المكتسبة في عمليات القوات المسلحة للبلدين، بما في ذلك مجالات العلوم والتكنولوجيا، وتعزيز عمليات التدريبات والتمرينات العسكرية المشتركة وتبادل المعلومات في هذا المجال، والتعاون بخصوص أنظمة ومعدات الدفاع، وتنفيذ وتطوير برامج لتطبيق تقنيات الدفاع، ونقل التكنولوجيا والمعرفة بين البلدين.
وفي يونيو من سنة 2024، أخذت الشراكة الدفاعية بين البلدين بعدا جديدا، حين صادق المجلس الوزاري الذي ترأسه الملك محمد السادس، إحداث منصب ملحق عسكري لدى سفارة المملكة في برازيليا، الخطوة التي تلاها، في شتنبر، اعتماد البرازيل خريطة رسمية جديدة تتضمن جغرافيا المغرب الكاملة بما يشمل الصحراء، والتي أنجزها المعهد البرازيلي للجغرافيا والإحصاء، وقدمها بشكل رسمي للرئيس لولا دا سيلفا، بمناسبة ترؤس بلاده لمجموعة العشرين.