يكشف رمضان مسعود العربي، رئيس الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان، الذي انتمى إلى جبهة البوليساريو لمدة 17 عاما، في هذا الحوار، كواليس مطاردات القضاء الإسباني لإبراهيم غالي، رئيس جبهة البوليساريو، إلى جانب 4 ضباط جزائريين، و24 عضوا آخرين في الجبهة، في مجموعة من دول العالم، بتهم التعذيب، والاعتقال التعسفي، والاغتصاب… بناء على شكاية توجهت بها الجمعية إلى القضاء الإسباني.
ولم يتردد مسعود العربي، في حوار أجراه معه ”تيل كيل عربي”، في بيته في مدينة العيون، في البوح بكل تفاصيل تنسيق جمعيته مع القضاء الإسباني حول الملف.
أولا، نبدأ من آخر مستجد، والمتعلق بتوجيهكم، مؤخرا، طلبا لإسبانيا، من أجل القبض على إبراهيم غالي، رئيس جبهة البوليساريو، أثناء مشاركته في قمة الاتحادين الإفريقي والأوروبي في أبيدجان، يومي 29 و30 نونبر المنصرم. فما هي تفاصيل هذا الطلب؟
بعد إعلان إبراهيم غالي مشاركته في قمة الاتحادين الإفريقي والأوروبي، في شهر نونبر الماضي، راسلت الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان القاضي الإسباني، تخبره بأن غالي، الذي يعتبر فارّاً من العدالة الإسبانية، سيوجد في العاصمة الإيفوارية أبيدجان، يومي 29 و30 نونبر. واعتمادا على ذلك، قامت السلطات القضائية الإسبانية، التي تربطها اتفاقية تعاون أمني مع الكوت ديفوار، بإرسال مذكرة إلى هذه الأخيرة، تخبرها فيها بأن غالي سيحل بالأراضي الإيفوارية، لكي تلقي عليه القبض.
وفي المقابل، لم تستجب الكوت ديفوار لمذكرة إسبانيا، مبررة ذلك، حينها، بكون غالي لن يحل في الكوت ديفوار بصفته سائحا أو ضيفا عليها، وإنما سيزور هذه الأخيرة تحت مظلة الاتحاد الإفريقي. ولهذا، لم تقم الكوت ديفوار بالدور المنوط بها، والمتجلي في القبض على غالي، لكي تستمع إليه العدالة الإسبانية.
وإبراهيم غالي كان يعلم بمذكرة الاعتقال، التي وجهت من طرف القضاء الإسباني إلى الكوت ديفوار، وذلك راجع إلى التسريبات التي نشرها الإعلام الإسباني حول الموضوع، إذ نشر، على نطاق واسع، أن جمعية صحراوية تطالب بإلقاء القبض على غالي، عند وصوله إلى الكوت ديفوار.
اعتبرت، في وقت سابق، أن الدولة المغربية هي من أخرت سيرورة الشكاية، التي توجهتم بها إلى القضاء الإسباني، ضد إبراهيم غالي وأشخاص آخرين. فكيف تم ذلك؟
نحن وضعنا الشكاية لدى القضاء الإسباني في أواخر 2007، وبدأ هذا الأخير في الاشتغال عليها سنة 2008؛ بحيث استفسرت العدالة الإسبانية، حينها، المغرب والجزائر، عن كون هؤلاء الأشخاص متابعين لديهما في نفس القضايا من عدمه، فردت الجزائر في 2010 بالنفي، أما المغرب فتأخر في الجواب إلى غاية 2012.
وبعد أن أجابا، واطلع القاضي الإسباني على تقارير الأطباء الشرعيين، وجه هذا الأخير اتهامات للناس المشتكى بهم من قبل الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان؛ وهم، إلى جانب غالي، 24 عضوا في البوليساريو، و4 ضباط جزائريين.
تحدثت عن خبرة طبية قام بها أطباء شرعيون. فما هي حيثيات هذه الأخيرة؟
الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان استدعت أطباءً شرعيين، معترف بهم دوليا، وأجروا خبرات طبية لـ 86 ضحية في إسبانيا، والعيون، وموريتانيا. وسلمت الخبرات الطبية المذكورة للقاضي الإسباني.
هل تضمن قرار القاضي الإسباني جميع النقط، التي وردت في الشكاية التي وجهتموها إليه في 2007؟
القاضي الإسباني اعتمد ما أوردته شكايتنا، ولكننا واجهنا، في البداية، مشكلا تعلق برفض المحكمة الوطنية الإسبانية الاشتغال على قضايا لم يكن التراب الإسباني مسرحا لها، لأنها كان مطروحا عليها، حينها، قضية التيبت في الصين، إلى جانب مشاكل أخرى في الأرجنتين. ولكي نحل هذا المشكل، راسلنا القاضي الإسباني، وأخبرناه بأن الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان جمعية إسبانية، وبأن أغلب الضحايا المذكورين ولدوا في فترة الاحتلال الإسباني للصحراء، إضافة إلى كون بعض المتهمين، ومن بينهم إبراهيم غالي، يحملون الجنسية الإسبانية. وهذه الأسباب هي التي جعلت القضاء الإسباني يعيد فتح ملف القضية.
هل كان هناك تنسيق بينكم وبين القضاء الإسباني، في الفترة ما بين تقديمكم للشكاية، وإصدار هذا الأخير لقرار القبض على غالي وباقي المتهمين؟
نعم، كنا ننسق مع بعضنا البعض. وفي تلك الفترة، حاولت المحكمة الإسبانية الاتصال بالمتهمين المذكورين، لكن هؤلاء كانوا يتنقلون خارج التراب الجزائري بجوازات سفر جزائرية دبلوماسية، تحمل أسماءً غير أسمائهم الحقيقية، التي أوردناها نحن في شكايتنا، وهذا ما جعل تحديد المحكمة المذكورة لأماكن وجودهم أمرا صعبا. وبالتالي، راسلتنا المحكمة الإسبانية؛ وأفادت، حينها، أن سفارة الجزائر في إسبانيا، ومكتب البوليساريو، أخبراها بأنهما لا يعرفان هؤلاء الأشخاص.
واستمر الوضع كذلك إلى سنة 2016، حيث عقدت الدورة العادية لاجتماع المنظمات العالمية المتضامنة مع البوليساريو، المسماة ”إِييُّو كُوكُو”، في برشلونة، وأعلن إبراهيم غالي، وقتها، مشاركته فيها. واستنادا إلى ذلك، راسلنا القاضي الإسباني، وأخبرناه بأن واحدا من المتهمين سيحل ببرشلونة، وأمددناه باسم إبراهيم غالي وصفته، فأرسل، بدوره، رسالة إلى المنظمين وإلى بلدية برشلونة، اللذان أجابا بكون إبراهيم غالي سيشارك، بالفعل، في الحدث المذكور. وبناء عليه، أرسل القاضي الإسباني استدعاءً إلى غالي، يدعوه فيه إلى المثول أمامه، يوم السبت 19 نونبر 2016، وهو ما جعل غالي يتخلف عن الحدث المذكور، ولم يزر إسبانيا حينها.
وفي سنة 2017، قُرر تنظيم نفس الحدث في باريس، بتاريخ 28 أكتوبر 2017. وبعد أن أكد إبراهيم غالي مشاركته فيه، أبلغْنا القاضي الإسباني بذلك، الذي أبلغ، بدوره، السلطات الفرنسية بذلك، لكي يتم القبض على غالي، لكن هذا الأخير لم يحضر، أيضا، إلى باريس. ولهذا فالقضاء الإسباني يعتبر غالي، حاليا، في حالة فرار.
وما هي الدول الأخرى، التي أعلن غالي عن زياراته لها، وراسلتهم القضاء الإسباني، من أجل التحرك للقبض عليه فيها؟
نحن عندما نعلم بأن إبراهيم غالي، أو أحد المتهمين الآخرين، سيحل بدولة بينها وبين وزارة العدل الإسبانية اتفاقية ضد الجريمة المنظمة، فإننا نراسل القاضي الإسباني المكلف بالملف، ونخبره بذلك، وهو يقوم بواجبه في هذا الشأن. وقمنا بهذا الأمر ثلاث مرات؛ وهي عندما زار غالي الكوت ديفوار، وفي حالتي فرنسا، وإسبانيا.
وما هي الدلائل والحجج، التي اعتمدتم عليها لإصدار شكايتكم في 2007؟
تحدثنا إلى عائلات مفقودين، تم اختطافهم من طرف جبهة البوليساريو، إلى جانب ضحايا تعذيب وسجن لسنوات طويلة في هذه الأخيرة، والذين تظهر عليهم آثار التعذيب. وأدلوا لنا بشهاداتهم، وتعرفوا على المتهمين الـ 28 المذكورين. وهناك، أيضا، مكان التعذيب، والسجون السرية في جبهة البوليساريو، والتي تم الإعلان عنها، الخ
بالنسبة للضحايا والمتهمين، ما هي جميع المعطيات المتعلقة بهم، التي تتوفرون عليها؟
عدد الضحايا الذي تضمنته شكايتنا هو 86 ضحية؛ ضمنهم 14 امرأة، والمتبقون رجال. أما عن جنسياتهم، فهم جميعهم صحراويون، ولكن 6 منهم يحملون الجنسية الإسبانية، وآخرين يحملون الجنسية الموريتانية.
وفيما يخص أعمارهم، فهي تتراوح ما بين 50 و65 سنة. ويوجدون حاليا في إسبانيا، وموريتانيا، والمغرب. وكانوا يزاولون مهنا متعددة؛ منهم من كانوا عسكريين في جبهة البوليساريو، وآخرين كانوا يعملون في التعليم، والصحة، والخارجية، إلى جانب قطاعات عمل أخرى. كما منهم من يشتغل، حاليا، في مجال السياحة في إسبانيا. ومن عاد منهم إلى المغرب، فقد تم إدماجه، من خلال منحه وظيفة، وسكنا، الخ.
وبالنسبة للانتهاكات التي تعرض لها هؤلاء الضحايا، فهي تشمل التعذيب، والاعتقال التعسفي، والاغتصاب فيما يخص النساء؛ إذ تعرضت 4 نساء، من بين 14 امرأة، للاغتصاب، بينما تعرض 82 آخرين، وهم رجال ونساء، للحبس والتعذيب.
وفيما يهم مرتكبي الانتهاكات المذكورة، فأصولهم من الجزائر، وموريتانيا، إلى جانب طانطان، وكليميم، والعيون، الخ. وأعمارهم، جميعهم، تفوق الـ 48 سنة. ويشتغلون، حاليا، في السفارات، ووزراءً في جبهة البوليساريو، وضباطا في الأمن، إضافة إلى وُلَاةٍ، وممثلين للبوليساريو في الدول الأوروبية، فضلا عن إبراهيم غالي، رئيس الجبهة، الخ.
وهل تم جبر ضرر هؤلاء الضحايا؟
نعم، لقد تم ذلك؛ بحيث قامت الدولة المغربية، كما قلت، بإدماج العائدين منهم إلى المغرب. كما عوَّض المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذين يحملون، بينهم، الجنسية المغربية، بمبالغ مالية، بصفتهم مغاربة تعرضوا للاعتقال التعسفي من طرف جبهة البوليساريو.
وكيف تنسقون، حاليا، مع القضاء الإسباني؟
ننسق، حاليا، مع القضاء الإسباني، فيما يخص أحمد دوباد، ممثل جبهة البوليساريو في مقاطعة كتالونيا، الذي عين مؤخرا، وهو واحد من المتهمين الـ 28. ونحن ننتظر، فقط، أن يلتحق ببرشلونة، ونعرف أين سيقيم، لكي نراسل القاضي الإسباني، ونطلعه على التفاصيل. ولقد أشعرنا هذا الأخير بهذا الأمر، في بداية شهر دجنبر.
وننسق مع القضاء الإسباني، أيضا، للقبض على محمد الخداد، منسق جبهة البوليساريو مع بعثة المينورسو، الذي يزور إسبانيا من حين إلى آخر، ولكن بهوية مزورة غير هويته الحقيقية.
وما هي التحركات المستقبلية، التي ستقومون بها على مستوى هذا الملف؟
سنطالب بإصدار مذكرة اعتقال دولية ”إِنْتْرْ بُولْ” في حق المتهمين المذكورين، بدل مذكرة الاعتقال الأوروبية ”أُورُو بُولْ” المفعلة في حقهم حاليا. وسننسق، على هذا المستوى، مع القاضي الإسباني.