محمد البوزيدي-بوجدور
يحتفل العالم بذكرى فاتح ماي في سياق مغاير لما كان معتادا، لذلك ومنذ أولى إرهاصات الاحتفال سنة 1856 باستراليا قبل أن ينتقل إلى شيكاغو الولايات المتحدة الأمريكية، فإن تخليد التظاهرة يتم هذه السنة بإيقاع يختلف عن ما سبق ،فلقد فرضت السيدة “كورونا” على الجميع البقاء في منازلهم وعدم النزول إلى الساحات التي ألفوا التجمهر والاحتفال فيها .
لذلك ورغم أنه العيد فإن الزعيم العمالي غاضب جدا من الأجواء التي فرضتها السيدة “كورونا”
فالمقرات ستظل مغلقة، ولن تشهد حركية دؤوبة كما ألف المناضلون منذ منتصف ابريل .
لن تسمع الشوارع الشعارات، ولا المطالب ولا التنديد فسيكون الصمت عنوانا لليوم.
لن يبرز الزعيم عضلاته الوهمية بقراءة خطب ألفها منذ مدة والتمطيط فيها لتمرير رسائله العلنية والخفية للجميع حكومة ونقابات ومنافسين ومنخرطين ومواطنين وإعلام.
لن تقف أمامه الحشود لترفع أصابع النصر ،وهو دوما كان يساءل ذاته: على من انتصر هؤلاء؟
لن تقف أمامه كاميرات التلفزة لتوثق أنه مازال بيننا ويعطي تصريحا يصيح فيه مزمجرا بشعارات لا يطبقها على أرض الواقع .
لن يتكلم عن الطبقة العاملة من فلاحين وعمال وأجراء وهو المتقاعد الذي يتقاضى راتبا محترما متفرغا في النقابة وممثلا لها في احد المجالس الدستورية.
لن يرفع الإيقاع ويهدد بالتصعيد كما اعتاد بنفخ أشداقه وابرار اوداجه للتنديد بالحكومة ومطالبتها بتحقيق الملف المطلبي.
لن يتمشى الهوينا في الشارع خلاف المعتاد حيث يمر بسيارته الأنيقة.
لن يكون في قيادة الظاهرة تحت رعاية اللجنة التنظيمية ،وعلى يمينه وعلى شماله الأتباع بستراتهم المختلفة وأمامه اللافتات المتنوعة .
لن يرى لافتات أمام المنصة التي ألف التموقع وسطها، وقد حملها حتى نهاية المسيرات الذين قد لا يفهمون معناها، ولا يستوعبون خلفياتها، ولا يحللون دلالاتها.
لن يستمع للشعارات الرهيبة التي تزلزل المكان بتأثير مكبرات الصوت والتي لا تضيف ولا تنقص من الواقع شيئا ،ولا للأغاني الحماسية التي أصبحت روتينية من كثرة توظيفها في المكان الصحيح والمكان الخطأ معا.
لن يحتاج أن يضع جانبه ورهن إشارة الأتباع قنينات الماء التي تصنعها الرأسمالية ليكسر بها حرارة اليوم الملتهبة.
لن يرى صوره في منصات التواصل الاجتماعي والجرائد والمواقع الإعلامية وهو يشير بيديه أمام الميكروفونات،فمه مفتوح دوما هناك،بقبعته الأصيلة وهندامه الخاص لهذا اليوم الذي لا ينسى منه الكوفية الفلسطينية لتأثيثه مع الغياب القسري لربطة العنق المزركشة.
لن يوظف هاتفه كثيرا لشرح الخطوط العريضة والترتيبات المختلفة لحشد الحشود وتزيين المنصة وتعليق الملصقات واللافتات أمام المقرات المختلفة.
لن يحتاج لتلاوة التعليمات في الاجتماعات التحضيرية والتحذير من كل ما من شأنه أن ينسف التظاهرة الضخمة التي يهيئ لها .
لن يحتاج لشاحنات تحمل عمالا من بعيد ليصطفوا أمام المنصة الرئيسية للاحتفال.
ولتجاوز الغضب،أعلن الزعيم أن الاحتفال لا مفر منه ،فالمسألة مبدأ كما قال،لكن الساحات ستختلف ،فعوض الساحات العمالية والشوارع سيتم الاحتفال بالساحات الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي من فايسبوك وتويتر وواتساب ، لذلك أصدر الزعيم أوامره عبر اللجان المشرفة على الاحتفال بما يلي :
• إصدار دليل الاحتفال العمالي في الفضاء الرقمي
• تحديد التوقيت المناسب للاحتفال وهو موحد زمنيا وموزع مكانيا.
• تعميم الكلمة التوجيهية والنداء والدعوة للتواجد أمام الشاشات صباح الفاتح من ماي على مجموعات الواتساب .
• تعميم الملصقات الرقمية عوض الملصقات الورقية عبر صناديق البريد الالكترونية
• تزويد الفروع بفيديو يتضمن مقتطفات من خطاب الزعيم للسنوات الماضية ليكون تحضيرا رقميا واستهلالا للاحتفال الفريد من نوعه.
• ينشر المناضلون الملصقات والنداءات على حائطهم الفايسبوكي وشعار النقابة على بروفايلاتهم الشخصية .
• تتكلف لجنة الإعلام بتوثيق مشاركة الفروع في الاحتفال عبر إحصاء المناضلين المنضبطين للخطوة النضالية ،والتأكد من بث خطاب الزعيم ،وإحصاء عدد المشاركات والمشاهدات والتقاسم من الحساب الرسمي للنقابة .
• توجيه المشاركين في الاحتفال والمتابعين لعدم التحول لحساب نقابة أخرى ،أو لمواقع الكترونية والالتزام التام بالخطوة النضالية الرقمية حتى لا تتأثر عدد المشاهدات التي تضبط اللجنة أرقامها كل عشر دقائق لمعرفة الحجم الحقيقي للزعيم ونقابته.
• تكليف لجنة لرفع الشعارات عبر كتابتها في التعاليق بنصف ساعة قبل خطاب الزعيم ،وتنبيه الحسابات التي قد يكون أصحابها مازالوا نياما تحت ضغط رمضان ليكونوا في الموعد .
• تعوض رفع الشعارات بكتابة التعليقات وإبداء الإعجاب واالايكات بالأحمر والأزرق.
• اعتبار التعليقات في حساب النقابة بمثابة لوائح حضور لعدد المشاركين لمعرفة حجم كل نقابة قطاعية وكل مدينة عمالية..
• التأكيد أن النقابة ستوضع على المحك ،فالاحتفال الرقمي هو بمثابة سونداج يعرف به منخرطوها من خلال عدد المتابعات والتعليقات والتقاسمات لدى كل من يهمهم الأمر.