علي الباه:
عاش الصحراويون الموالون للمغرب عقودا من الصراع حول الصحراء وهم يشعرون حينا بأنهم مواطنون مغاربة من الدرجة الأولى، وأحيانا كثيرة بأنهم عكس ذلك تماما، وفي كلتا الحالتين ظل المسؤول الصحراوي يدفع باتجاه الاندماج في المجتمع المغربي والدفاع عن رؤية المغرب للحل، مقتنعا بذلك كان أو مدافعا عن مصالحه الشخصية.
غير أن المتتبع لمسار الاندماج، خلال العقد الأخير على الأقل، بات يلمس اتساع الهوة بين الدولة المغربية وساكنة الأقاليم الصحراوية، بل إن ذلك انعكس سلبا على النسيج الاجتماعي للمواطنين الأصليين والمغاربة القادمين من الشمال.
الصحراويون يفسرون انعدام الثقة بينهم وبين الدولة المغربية بأنه نتاج طبيعي لتهمة “الانفصال” الجاهزة والملقاة في أوجه الشعب الصحراوي ومسؤوليه على حد السواء، بحيث أصبح الجميع مدانين بتلك التهمة الاقصائية ما لم يثبت العكس، وحتى إذا ثبت العكس بالأدلة القاطعة، فالانتماء للبوليساريو ثابت بدليل الانتماء للأقاليم الصحراوية.
الغريب في الأمر أن مسؤولي الدولة يتعاملون من ذات المنظور مع المسؤولين الصحراويين المقربين من المخزن، والذين يعرفونهم كما يعرفون أبناءهم، وكأن نطق اللهجة الحسانية (المصونة بنص الدستور المغربي)، وارتداء الدراعة والملحفة (الموثقيْن كتراث شعبي مغربي)، أصبحت أدلة دامغة على الاصطفاف مع أعداء المملكة، إن لم يكن بالتصريح اللفظي فبالتعامل الفعلي الصريح.
والأغرب من ذلك، أن الدولة المغربية لم تبخل في تنمية أرض الأقاليم الصحراوية، لكنها تجاهلت تنمية الإنسان الصحراوي، سواء كان موظفا حكوميا، أو مسؤولا محليا، أو مواطنا عاديا.
فالصحراويون، يشعرون اليوم بأنهم لا يستشارون في القضايا الكبرى، خاصة في شؤون قضية الصراع التي تشغل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، وأن إرادة المغرب تبقيهم مجرد أثاث يطرز المشهد المتنوع للمملكة بالزي الصحراوي التقليدي.
وفضلا عن ذلك يشعر الصحراويون بالاشمئزاز من حرمانهم من تقلد المناصب الحساسة داخل المغرب، الذي يعتبرهم مواطنين مغاربة، ومع ذلك يغض الطرف عن تبذير بعض مسؤوليهم المحليين للمال العام، ليضرب بذلك حجرين بعصفور واحد، وهما الاسترضاء بالمال العمومي، واستثمار فساد المسؤول وقت الضرورة.
وفي ظل وضع كهذا؛ تشعر ساكنة الأقاليم الصحراوية بأنها الضحية في صراع المغرب وجبهة البوليساريو، وتتطلع إلى إعادة الثقة بينها والمسؤلين المغاربة الذين أقنعوا الرعيل الأول من الصحراويين الموالين للرباط بأنهم مغاربة من الدرجة الأولى، وإن اختلفت أسباب ذلك ومسبباته.