نفعي عزات:
يُعرف الباحثون في علم السياسة الرأي العام، على أنه سلطة غير منظورة ومستترة، بإمكانها أن تؤثر سلبا أو إيجابا، بل هناك أصوات تنادي لأن يطلق ويُسمى الراي العام، بالسلطة الخامسة، لما له من قدرة في التأثير على القرارات ودفعها، وهو ما يجعل الرأي العام بالصحراء اليوم، سلطة سياسية جديدة، أكثر قوة من غيرها وفعالية، فقد مضى الزمن الذي كان يُستغبى فيه المواطن الصحراوي والأمور تمرُ أمام عينيه، لاحول له اتجاهها ولا قوة، وذلك راجع إلى نضج وعيه السياسي الفطري، واهتمامه بالقضايا السياسية والأحداث الداخلية، بالإضافة إلى إنفتاح الصحراويين على التكنولوجيا الحديثة، وانتقالهم من الشاشات الكبيرة، نحو الشاشات الصغيرة(الهواتف الذكية)، وانخراطهم الغير المسبوق بمواقع التواصل الإجتماعي، وبخاصة “الفيسبوك” هذا العالم الأزرق الذي بات فضاءا حرا للنقاش لايمكن ضبطهُ أو توجيهه، وقد أصبح طريقا بإتجاهين، الناس به لم تعد تستقبل الأخبار فقط، بل أصبحت جزءا منها وتشارك في وصول الخبر والفيديو والصورة، وفي إبداء الأراء والتعاليق والملاحظات والتصحيح والإحتجاج. هذا وبالإضافة للفيسبوك، تعتبر أيضا الجرائد الإلكترونية المتناسلة كل يوم، أحد أسس الرأي العام الصحراوي ومقوماته ، من خلال ماتنشره وتبثه على أشرطتها الإخبارية من أحداث و وقائع، إلا أنها ليست بتلك القوة التي تتمتع بها حيطان العالم الأزرق التي لا خط تحريري لها، سوى الضجة كل ثانية بالمستجدات والمعطيات والكتابات والكلام المُلقى غالباعلى عواهنه، بسبب تباين الأراء واختلافها، فكثيرة هي المرات التي تقارعت فيها الأفكار بالأفكار، واصطكت المقالات فيها بالمقالات، إزاء واقعة معينة أو حادثة إنشغل بها الصحراويون وحظيت بإهتمامهم.
ويتميز الرأي العام بالصحراء، على أنه مؤقت وقصير، ومرده هو أن الصحراء لم تعد تلك الأرض المهمشة الخلاء، بل أصبحت ساحة للمتغيرات والمجريات السياسية والتطورات المتسارعة، ثم إن الصحراويين كثيروا الملل، وجلهم قلوبهم متقلبة، وهم أيضا قوم تفاخر، الأشكال تغريهم لا المضامين ، مما يظهر أن الرأي العام الصحراوي هو إبن لحظته وأوانه وينقصه الوفاء لقضيته التي يهتز لها، فلا يكاد تمر واقعة أو حدث ما، حتى يتم نسيان ما قبلها وهكذا وهكذا. هذا وينقسم الرأي العام في الصحراء، إلى ثلاثة أراء عامة، وذلك حسب تقطيعها الترابي، فلكل من الجهات نخبها وإدارتها وساكنتها، وتعتبر جهة العيون الساقية الحمراء أكثرها نشاطا وتفاعلا وحضوراعلى مستوى الرأي العام، ثم تتبعها جهة الداخلة واد الذهب، ذات الأقلام الصحفية البليغة، لتأتي ثالثا جهة كليميم واد نون التي يتميز رأيها العام المحلي بأنه يقظ وكاتب ومتعطش، وبالرغم من التباين البسيط بين أراء الصحراء العامة الثلاث، إلا أن ما يجمعها كلها هو أنها تبدوا منقادة تارة، ومبادرة تارة أخرى، وأنها عادلة وظلومة، وذكية أحيانا، وساذجة أحايين أخرى، وكأن فكرة نقاشها موضوعة على جناح طائر، أي تفسير يقدم لها، تأخذ به وتعتقده، الأمر الذي يجعل من الفاعل والمنتخب السياسي الصحراوي، حذرا وحريصا، في خطواته وكلامه، مدركا أن مكمن القوة الحقيقي، هو القوة على مستوى الرأي العام، وهو من بإمكانه صناعته، وكيف يتحكم به، على “زئبقيته” ، ويتحكم بأفكار الناس وتوجيهها، وما يقولون، فعلى أساسها أي تلك الأفكار، تُنتج السياسات العمومية ويتم تقييمها، وفي خدمتها تشتغل السلط الثلاث أو الأربع، بتشريعها وتنفيذها وقضائها، وفيها تدور السلطة الرابعة وتجري، ومما تجدر الإشارة إليه هو أن الرأي العام يعد الوجه الثاني لصناديق الإقتراع، إذ أنه عبارة عن جمهور، والجمهور مُكون من أشخاص، وهؤلاء الأشخاص هم من يدلون بأصواتهم عند كل إنتخابات، فالصحراويون بات لهم وعي وإطلاع بالشأن المحلي، ويسألون عنه، وأصبحوا يلاحظون الأمور ويلتقطونها، وأصبحوا يعاقبون إنتخابيا و ينتصرون، وهذه من محاسن الرأي العام في الصحراء ومن فضائله، بحيث يساعد على تكريس الديمقراطية التي يعد أحد مظاهرها، ويسهم في التغيير والإصلاح و التقدم والنزاهة والشفافية، من خلال رقابته الدائمة، وعيونه التي لاتنام، وأذانه الصاغية، لهذا وعليه، لا يجبُ عليك أيها الرأي العام الصحراوي، الإعتقاد بأنك ضعيف، أو أن صوتك غير مسموع، فأنت قوي ومؤثر أكثر مما تتصور، فقط ما عليك سوى أن تثق بنفسك، وتستنهض هممك، وتعلم أنك مثل السيف، والسيف كما يقالُ بضاربه.
– نفعي عزات/ صحفي وباحث بالقانون العام الداخلي وتنظيم الجماعات الترابية.