مصطفى قماس:
تختبر جبهة البوليساريو استراتيجية جديدة في حربها ضد المغرب، حيث اتضح عبر واقعتين في مايو/أيار الجاري لجوؤها إلى رفع دعاوى قضائية دولية من أجل احتجاز الفوسفات الذي تصدره المملكة إلى الخارج.
وبعد قرار محكمة بجنوب أفريقيا باحتجاز باخرة محملة بالفوسفات كانت متوجهة نحو نيوزيلاندا في بداية مايو/أيار الجاري، صدر أول من أمس قرار مشابه عن محكمة بنمية في حق باخرة محملة بالفوسفات كانت تقصد كندا.
في المقابل، اعتبر المجمع الشريف للفوسفات، المملوك للدولة المغربية، أمس الجمعة، أن الدعوى التي رفعها البوليساريو لدى محكمة بجنوب أفريقيا لا سند قانوني لها.
وذهب في بيان صحافي، إلي أنها محاولة من أجل الالتفاف على المسلسل السياسي الدولي الذي أطلقه مجلس الأمن من أجل إيجاد حل لقضية الصحراء، معبرا عن ثقته بأن الأسس القانونية والوقائع في صالحه. وقال المجمع إنه يستثمر جميع أرباحه من الفوسفات في الصحراء بالمنطقة.
وكانت وكالة الأنباء الجزائرية سبّاقة إلى نشر خبر احتجاز سفينة محملة بشحنة من الفوسفات قادمة من المغرب، أثناء عبورها قناة بنما، حيث كانت متوجهة إلى كندا. وأضافت الوكالة الرسمية الجزائرية، أن محكمة بنمية، أمرت باحتجاز سفينة النقل البحري التي تحمل اسم “أولترا إنوفيشون”، وهي باخرة مملوكة لأكبر شركة في العالم في النقل البحري للفوسفات.
وأفادت بأن الشحنة التي احتجزت ببناما تقدر بحوالي 55 ألف طن، حيث كانت موجهة للشركة الكندية “أكريوم”، وقُدرت قيمتها بستة ملايين دولار أميركي.
وتعتبر تلك ثاني عملية احتجاز لسفينة تنقل الفوسفات من المغرب، حيث كانت محكمة من جنوب أفريقيا، قررت منع سفينة تحمل خمسين ألف طن من تلك المادة إلى نيوزيلاندا.
وتزعم جبهة البوليساريو أن المغرب يستغل ثروات الصحراء الطبيعية. وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية في تقديرات سابقة أن صادرات الفوسفات من الصحراء تصل إلى مائتي مليون دولار.
ويتزامن احتجاز السفينة مع شروع محكمة من جنوب أفريقيا، في النظر في قضية منع احتجاز السفينة التي كانت في طريقها إلى نيوزيلاندا. وقال مصدر في حكومة المغرب، فضل عدم نشر اسمه، إن اختيار ذلك التوقيت أريد منه التأثير على قرار المحكمة في جنوب أفريقيا، غير أن “العربي الجديد”، علمت أن المحكمة أجلت النطق بقرارها إلى التاسع من يونيو/حزيران المقبل.
وأكد مصدر حكومي أخر لـ “العربي الجديد” أن المغرب متأكد من سلامة موقفه، مشيرا إلى أن البوليساريو، تناور من أجل عدم الامتثال لسلسلة المفاوضات التي دعت إليها الأمم المتحدة في آخر تقرير لها، والتي مددت مهمة البعثة الأممية عاما جديدا.
ورغم الضغط الذي لجأت إليه البوليساريو، إلا أن تقرير الأمم المتحدة الصادر في أبريل/نيسان الماضي، لم يتعرض لموضوع الثروات الطبيعية وخاصة الفوسفات.
وعند حجز شحنة الفوسفات المتوجهة إلى نيوزيلاندا في مطلع مايو/أيار الجاري، أوضحت الشركة المستوردة “بالونس أكير نوتريانتس” أنها لم تخرق القانون عندما اشترت الفوسفات من المغرب.
وصرح المدير العام للشركة النيوزيلاندية، مارك واين، لصحيفة “نيوزيلاندا هيرالد” أمس، بأن شركته تمتثل لتوجيهات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، معبرا عن ثقته في احترام القوانين التي تخص مصدر السلعة وبأن شركته استشارت حكومة بلدها قبل استيراد الفوسفات من المغرب. وأكد أن شركة “بالونس أكير نوتريانتس” تستورد الفوسفات منذ ثلاثين عاما، ومن المغرب منذ عشرين عاما.
ولا يمثل فوسفات الصحراء سوى القليل ضمن احتياطي المغرب من ذلك المعدن، على اعتبار أن المملكة تتوفر على أكبر احتياطي منه في العالم، وفق تقديرات رسمية. ووصلت مبيعات المغرب من الفوسفات ومشتقاته في العام الماضي إلى 3.9 مليارات دولار، مقابل 4.4 مليارات دولار في العام الذي قبله.
وأعلنت المملكة عن إنشاء مجمع صناعي جديد لإنتاج الأسمدة بالصحراء بقيمة 1.7 مليار دولار، عبر استغلال الفوسفات الذي يستخرج من تلك المنطقة، حيث يعتبر هذا المشروع الأكبر، ضمن البرنامج التنموي للصحراء الذي رُصد له 7.7 مليارات دولار لإنجاز مشاريع تتعلق بالفوسفات والسياحة والزراعة والصيد البحري والبنيات التحتية والطاقة.
ويسعى المغرب إلى رفع إنتاج الفوسفات من 30 مليون طن إلى 50 مليون طن سنوياً، وزيادة إنتاج الأسمدة الفوسفاتية من 3.5 ملايين طن إلى 10 ملايين طن سنوياً.
ولم تكن واقعة الفوسفات هي أول سابقة لحرب اقتصادية تشنها جبة البوليساريو، بل سبقتها مساع لمحاصرة صادرات المملكة الأخرى.
وقبل عام ونصف العام تقريبا، قررت الغرفة الثامنة بالمحكمة الأوروبية، إلغاء اتفاق تحرير منتجات الزراعة والصيد الذي يسري منذ عام 2012 بين المغرب والاتحاد الأوروبي، لكن الاتحاد الأوروبي طعن بالإجماع على هذا القرار.