محمد سالم العربي:
ظلت الحكومات الموريتانية المتعاقبة منذ فجر العاشر يوليوز 1978، تاريخ الإطاحة بنظام الرئيس المؤسس “المختار ولد داداه”، محافظة على موقف الحياد من نزاع الصحراء، وذلك بالتزام خروج الحرب والانسحاب من إقليم وادي الذهب.
غير أن حكم الرئيس الحالي “محمد ولد عبد العزيز”، الذي وصل السلطة عن طريق انقلاب عسكري في السادس غشت 2008، سرعان ما تنكر للدور المحوري الذي لعبته الرباط في تثبيت أركان حكمه، وهو الدور الذي تم تناول بعض خفاياها في الوثائق التي سربها موقع “ويكيليكس”.
فما إن تجاوز النظام الموريتاني الجديد الأزمة السياسية التي خلفها انقلابه العسكري، وتم تنصيب “ولد عبد العزيز” رئيسا مدنيا منتخبا في استحقاقات الـ 19 يونيو 2009، حتى بدأ تحريك بوصلة الحياد في صراع الصحراء، وفي التوتر الدبلوماسي بين الجزائر والرباط، نحو الانحياز للجزائر عبر سلسلة خطوات تصعيدية صامتة انتهت إلى إخلاء البعثة الدبلوماسية الموريتانية في الرباط من السفير والقنصل والقائم بالأعمال، لتبقى سفارة نواكشوط مجرد اسم بلا مسمى.
المراقبون فسروا تنكر الرئيس الموريتاني للجهود المغربية في تسويق انقلابه وتثبيت أركان حكمه، بصفقة سرية بينه والنظام الجزائري تمكن “ولد عبد العزيز” بموجبها من رئاسة الاتحاد الإفريقي، وهو ما عززته تصرفاته المنحازة للجزائر والمعادية للمغرب، والتي كان آخرها اقتراحه على القادة الأفارقة إيفاد مبعوث إفريقي لحل الصراع حول الصحراء، وهو المقترح الذي رفضته الرباط بشدة على اعتبار أن المملكة ليست عضوا في الاتحاد الإفريقي.
وبعد انتهاء مأمورية الرئيس الموريتاني كرئيس دوري للاتحاد الإفريقي خفت حدة اهتمام الجزائر به، على اعتبار أن دوره بات محدودا كطرف منحاز لها على حساب جارتها الغربية، وهو ما جعل “ولد عبد العزيز” يقدم على طرد دبلوماسي يعمل بسفارة الجزائر في نواكشوط على إثر تصريحات تتعلق بالصراع حول الصحراء، مغازلا المغرب الذي لم يعر كبير اهتمام لتلك الخطوة.
ويرى البعض أن هوة الخلاف بين الرباط ونواكشوط آخذة في الاتساع، خاصة وأن المغرب بات الملجأ المفضل لمعارضي النظام الموريتاني، حيث يتواجد رجل الأعمال الشهير “محمد ولد بوعماتو” في مدينة مراكش، والمطلوب بمذكرة توقيف دولية صادرة عن محكمة نواكشوط رجل الأعمال والسياسي “مصطفى ولد الإمام الشافعي” في العاصمة الرباط، فيما يعتبر ولد عبد العزيز أن المغرب يوفر الجو المناسب لما يصفه بصياغة المؤامرات التي تستهدف الإطاحة بنظام حكمه.
المراقبون رأوا في مبادرة الرئيس الموريتاني إيفاد مبعوثه الخاص إلى الجزائر لطي صفحة الخلاف نهاية لتوقف انتظار إشارة خضراء مغربية، وهو ما يرى البعض أنه سيكون بداية مسلسل جديد من التنسيق الموريتاني الجزائري لضرب مصالح المغرب، خاصة تلك المتعلقة بملف الصحراء.
بينما يرى آخرون أن الرباط فضلت تجاهل إشارات نواكشوط لإعادة الدفء إلى علاقات البلدين في انتظار رحيل النظام الموريتاني الذي يراه المغرب قريبا وتراه الجزائر بعيدا.